الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*3* الشرح: قوله (باب قول الله سبحانه ولا تنكحوا المشركات) كذا للأكثر؛ وساق في رواية كريمة إلى قوله (ولو أعجبتكم) ولم يبت البخاري حكم المسألة لقيام الاحتمال عنده في تأويلها، فالأكثر أنها على العموم وأنها خصت بآية المائدة، وعن بعض السلف أن المراد بالمشركات هنا عبدة الأوثان والمجوس حكاه ابن المنذر وغيره. ثم أورد المصنف فيه قول ابن عمر في نكاح النصرانية وقوله لا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة ربها عيسى " وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة، فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة وبه جزم إبراهيم الحربي، ورده النحاس فحمله على التورع كما سيأتي، وذهب الجمهور إلى أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله وقال أبو عبيد: المسلمون اليوم على الرخصة. وروى عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن. وزعم ابن المرابط تبعا للنحاس وغيره أن هذا مراد ابن عمر أيضا لكنه خلاف ظاهر السياق، لكن الذي احتج به ابن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب لا من يوحد، وله أن يحمل آية الحل على من لم يبدل دينه مهم، وقد فصل كثير من العلماء كالشافعية بين من دخل آباؤها في ذلك الدين قبل التحريف أو النسخ أو بعد ذلك، وهو من جنس مذهب ابن عمر بل يمكن أن يحمل عليه، وتقدم بحث في ذلك الكلام على حديث هرقل في كتاب الإيمان، فذهب الجمهور إلى تحريم النساء المجوسيات، وجاء عن حذيفة أنه تسرى بمجوسية أخرجه ابن أبي شيبة وأورده أيضا عن سعيد بن المسيب وطائفة وبه قال أبو ثور. وقال ابن بطال هو محجوج بالجماعة والتنزيل، وأجيب بأنه لا إجماع مع ثبوت الخلاف عن بعض الصحابة والتابعين، وأما التنزيل فظاهره أن المجوس ليسوا أهل كتاب لقوله تعالى لذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أَعْلَمُ مِنْ الْإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الشرح: قوله (باب قول الله سبحانه ولا تنكحوا المشركات) كذا للأكثر؛ وساق في رواية كريمة إلى قوله (ولو أعجبتكم) ولم يبت البخاري حكم المسألة لقيام الاحتمال عنده في تأويلها، فالأكثر أنها على العموم وأنها خصت بآية المائدة، وعن بعض السلف أن المراد بالمشركات هنا عبدة الأوثان والمجوس حكاه ابن المنذر وغيره. ثم أورد المصنف فيه قول ابن عمر في نكاح النصرانية وقوله لا أعلم من الإشراك شيئا أكثر من أن تقول المرأة ربها عيسى " وهذا مصير منه إلى استمرار حكم عموم آية البقرة، فكأنه يرى أن آية المائدة منسوخة وبه جزم إبراهيم الحربي، ورده النحاس فحمله على التورع كما سيأتي، وذهب الجمهور إلى أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله وقال أبو عبيد: المسلمون اليوم على الرخصة. وروى عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن. وزعم ابن المرابط تبعا للنحاس وغيره أن هذا مراد ابن عمر أيضا لكنه خلاف ظاهر السياق، لكن الذي احتج به ابن عمر يقتضي تخصيص المنع بمن يشرك من أهل الكتاب لا من يوحد، وله أن يحمل آية الحل على من لم يبدل دينه مهم، وقد فصل كثير من العلماء كالشافعية بين من دخل آباؤها في ذلك الدين قبل التحريف أو النسخ أو بعد ذلك، وهو من جنس مذهب ابن عمر بل يمكن أن يحمل عليه، وتقدم بحث في ذلك الكلام على حديث هرقل في كتاب الإيمان، فذهب الجمهور إلى تحريم النساء المجوسيات، وجاء عن حذيفة أنه تسرى بمجوسية أخرجه ابن أبي شيبة وأورده أيضا عن سعيد بن المسيب وطائفة وبه قال أبو ثور. وقال ابن بطال هو محجوج بالجماعة والتنزيل، وأجيب بأنه لا إجماع مع ثبوت الخلاف عن بعض الصحابة والتابعين، وأما التنزيل فظاهره أن المجوس ليسوا أهل كتاب لقوله تعالى لذلك في كتاب الذبائح إن شاء الله تعالى. *3* الشرح: قوله (باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن) أي قدرها، والجمهور على أنها تعتد عدة الحرة، وعن أبي حنيفة يكفي أن تستبرأ بحيضة. الحديث: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لَا يُقَاتِلُهُمْ وَلَا يُقَاتِلُونَهُ وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ قَرِيبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَمِ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمانَ الثَّقَفِيُّ الشرح: قوله (أنبأنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني. قوله (وقال عطاء) هو معطوف على شيء محذوف، كأنه كان في جملة أحاديث حدث بها ابن جريج عن عطاء ثم قال " وقال عطاء " كما قال بعد فراغه من الحديث " قال وقال عطاء " فذكر الحديث الثاني بعد سياقه ما أشار إليه من أنه مثل حديث مجاهد. وفي هذا الحديث بهذا الإسناد علة كالتي تقدمت في تفسير سورة نوح، وقد قدمت الجواب عنها، وحاصلها أن أبا مسعود الدمشقي ومن تبعه جزموا بأن عطاء المذكور هو الخراساني، وأن ابن جرير لم يسمع منه التفسير وإنما أخذه عن أبيه عثمان عنه، وعثمان ضعيف، وعطاء الخراساني لم يسمع من ابن عباس وحاصله الجواب جواز أن يكون الحديث عند ابن جريج بالإسنادين، لأن مثل ذلك لا يخفى على البخاري مع تشدده في شرط الاتصال، مع كون الذي نبه على العلة المذكورة هو على بن المديني شيخ البخاري المشهور به، وعليه يعول غالبا في هذا الفن خصوصا علل الحديث. وقد ضاق مخرج هذا الحديث على الإسماعيلي ثم على أبي نعيم فلم يخرجاه إلا من طريق البخاري نفسه. قوله (لم تخطب) بضم أوله (حتى تحيض وتطهر) تمسك بظاهره الحنفية، وأجاب الجمهور بأن المراد تحيض ثلاث حيض، لأنها صارت بإسلامها وهجرتها من الحرائر بخلاف ما لو سبيت. وقوله "فإن هاجر زوجها معها " يأتي الكلام عليه في الباب الذي بعده. قوله (وإن هاجر عبد منهم) أي من أهل الحرب. قوله (ثم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد) يحتمل أن يعني بحديث مجاهد الذي وصفه بالمثلية الكلام المذكور بعد هذا وهو قوله " وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين إلخ"، ويحتمل أن يريد به كلاما آخر يتعلق بنساء أهل العهد وهو أولى، لأنه قسم المشركين إلى قسمين: أهل حرب، وأهل عهد. وذكر حكم نساء أهل الحرب ثم حكم أرقائهم، فكأنه أحال بحكم نساء أهل العهد على حديث مجاهد، ثم عقبه بذكر حكم أرقائهم. وحديث مجاهد في ذلك وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله قوله (وقال عطاء عن ابن عباس) هو موصول بالإسناد المذكور أولا عن ابن جريج كما بينته قبل. قوله (كانت قريبة) بالقاف والموحدة مصغرة في أكثر النسخ، وضبطها الدمياطي بفتح القاف وتبعه الذهبي، وكذلك هو في نسخة معتمدة من طبقات ابن سعد. وكذا للكشميهني في حديث عائشة الماضي في الشروط. وللأكثر بالتصعير كالذي هنا، وحكى ابن التين في هذا الاسم الوجهين. وقال شيخنا في القاموس بالتصغير وقد تفتح. قوله (ابنة أبي أمية) أي ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهي أخت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ظاهر في أنها لم تكن أسلمت في هذا الوقت، وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح مكة، وفيه نظر لأنه ثبت في النسائي بسند صحيح من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة في قصة تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها ففيه " وكانت أم سلمة ترضع زينب بنتها فجاء عمار فأخذها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أين زناب؟ فقالت قريبة بنت أبي أمية صادفها عندها: أخذها عمار " الحديث فهذا يقتضي أنها هاجرت قديما لأن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة كان بعد أحد وقبل الحديبية بثلاث سنين أو أكثر، لكن يحتمل أن تكون جاءت إلى المدينة زائرة لأختها قبل أن تسلم، أو كانت مقيمة عند زوجها عمر على دينها قبل أن تنزل الآية، وليس في مجرد كونها كانت حاضرة عند تزويج أختها أن تكون حينئذ مسلمة. لكن يرده أن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لما نزلت فأقام عليها " وتقدم في الشروط من وجه آخر في هذه القصة في آخر حديث الزهري عن عروة عن مروان والمسور فذكر الحديث ثم قال " وبلغنا أن عمر طلق امرأتين كانتا له في الشرك قريبة وابنة أبي جرول، فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم بن حذيفة " وهو مطابق لما هنا وزائد عليه، وتقدم من وجه آخر مثله لكن قال " وتزوج الأخرى صفوان بن أمية " فيمكن الجمع بأن يكون أحدهما تزوج قبل الآخر وأما بنت أبي جرول فوقع في المغازي الكبرى لابن إسحاق " حدثني الزهري عن عروة أنها أم كلثوم بنت عمرو بن جرول " فكأن أباها كنى باسم والده، وجرول بفتح الجيم، وقد بينت ق آخر الحديث الطويل في الشروط أن القائل " وبلغنا " هو الزهري وبينت هناك من وصله عنه من الرواة وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن من رواية بني طلحة مسلسلا بهم عن موسى بن طلحة عن أبيه قال " لما نزلت هذه الآية واختلف في ترك رد النساء إلى أهل مكة مع وقوع الصلح بينهم وبين المسلمين في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المسلمين ردوه ومن جاء من المسلمين إليهم لم يردوه هل نسخ حكم النساء من ذلك فمنع المسلمون مم ردهن أو لم يدخلن في أصل الصلح أو هو عام أريد به الخصوص وبين ذلك عند نزول الآية؟ وقد تمسك من قال بالثاني بما وقع في بعض طرقه " على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته " فمفهومه أن النساء لم يدخلن وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق مقاتل بن حيان " أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: رد علينا من هاجر من نسائنا، فإن شرطنا أن من أتاك منا أن ترده علينا. فقال: كان الشرط في الرجال ولم يكن في النساء " وهذا لو ثبت كان قاطعا للنزاع، لكن يؤيد الأول والثالث ما تقدم في أول الشروط أن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط لما هاجرت جاء أهلها يسألون ردها فلم يردها لما نزلت *3* وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَسْلَمَتْ النَّصْرَانِيَّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ دَاوُدُ عَنْ إِبْراهِيمَ الصَّائِغِ سُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَهِيَ امْرَأَتُهُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِذَا أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَا هُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَبَى الْآخَرُ بَانَتْ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا قَالَ لَا إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ الشرح: قوله (باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي) كذا اقتصر على ذكر النصرانية وهو مثال وإلا فاليهودية كذلك، فلو عبر بالكتابية لكان أشمل، وكأنه راعى لفظ الأثر المنقول في ذلك ولم يجزم بالحكم لإشكاله، بل أورد الترجمة مورد السؤال فقط، وقد جرت عادته أن دليل الحكم إذا كان محتملا لا يجزم بالحكم، والمراد بالترجمة بيان حكم إسلام المرأة قبل زوجها هل تقع الفرقة بينهما بمجرد إسلامها، أو يثبت لها الخيار، أو يوقف في العدة فإن أسلم استمر النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما؟ وفيه خف مشهور وتفاصيل يطول شرحها، وميل البخاري إلى أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام كما سأبينه. قوله (وقال عبد الوارث عن خالد) هو الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس لم يقع لي موصولا عن عبد الوارث، لكن أحرج ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن خالد الحذاء نحوه. قوله (إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه) وهو عام في المدخول بها وغيرها، ولكن قوله " حرمت عليه " ليس بصريح في المراد. ووقع في رواية ابن أبي شيبة " فهي أملك بنفسها " وأخرج الطحاوي من طريق أيوب عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية أو النصرانية تكون تحت اليهودي أو النصراني فتسلم فقال " يفرق بينهما الإسلام، ويعلو ولا يعلى عليه " وسنده صحيح. قوله (وقال داود) هو ابن أبي الفرات، واسم أبي الفرات عمرو بن الفرات، وإبراهيم الصائغ هو ابن ميمون. قوله (سئل عطاء) هو ابن أبي رباح (عن امرأة من أهل العهد أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة أهي امرأته؟ قال: لا، إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق) وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء بمعناه، وهو ظاهر في أن الفرقة تقع بإسلام أحد الزوجين ولا تنتظر انقضاء العدة. قوله (وقال مجاهد إذا أسلم في العدة يتزوجها) وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه. قوله (وقال الله إلخ) هذا ظاهر في اختياره القول الماضي فإنه كلام البخاري، وهو استدلال منه لتقوية قول عطاء المذكور في هذا الباب، وهو معارض في الظاهر لروايته عن ابن عباس في الباب الذي قبله وهي قوله " لم تخطب حتى تحيض وتطهر " ويمكن الجمع بينهما لأنه كما يحتمل أن يريد بقوله " لم تخطب حتى تحيض وتطهر " انتظار إسلام زوجها ما دامت في عدتها يحتمل أيضا أن تأخير الخطبة إنما هو لكون المعتدة لا تخطب ما دامت في العدة، فعلى هذا الثاني لا يبقى بين الخبرين تعارض، وبظاهر قول ابن عباس في هذا وعطاء قال طاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر وإليه جنح البخاري، وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع إن كانا معا في دار الإسلام، وبقول مجاهد قال قتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد، واحتج الشافعي بقصة أبي سفيان لما أسلم عام الفتح بمر الظهران في ليلة دخول المسلمين مكة في الفتح كما تقدم في المغازي، فإنه لما دخل مكة أخذت امرأته هند بنت عقبة بلحيته وأنكرت عليه إسلامه فأشار عليها بالإسلام فأسلمت بعد ولم يفرق بينهما ولا ذكر تجديد عقد، وكذا وقع لجماعة من الصحابة أسلمت نساؤهم قبلهم كحكيم بن حزام وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما ولم ينقل أنه جددت عقود أنكحتهم، وذلك مشهور عند أهل المغازي لا اختلاف بينهم في ذلك، إلا أنه محمول عند الأكثر على أن إسلام الرجل وقع قبل انقضاء عدة المرأة التي أسلمت قبله، وأما ما أخرج مالك في " الموطأ " عن الزهري قال: لم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، فهذا محتمل للقولين لأن الفرقة يحتمل أن تكون قاطعة ويحتمل أن تكون موقوفة وأخرج حماد بن سلمة وعبد الرزاق في مصنفيهما بإسناد صحيح عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن نصرانيا أسلمت امرأته فخيرها عمر إن شاءت فارقته وإن شاءت أقامت عليه. قوله (وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما: عما على نكاحهما فإذا سبق أحدهما صاحبه) بالإسلام (لا سبيل له عليها) . أما أثر الحسن فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح عنه بلفظ " فإن أسلم أحدهما قبل صاحبه فقد انقطع ما بينهما من النكاح " ومن وجه آخر صحيح عنه بلفظ " فقد بانت منه " وأما أثر قتادة فوصله ابن أبي شيبة أيضا بسند صحيح عنه بلفظ " فإذا سبق أحدهما صاحبه بالإسلام فلا سبيل له عليها إلا بخطبة " وأخرج أيضا عن عكرمة وكتاب عمر بن عبد العزيز نحو ذلك. قوله (وقال ابن جريج: قلت لعطاء امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاوض زوجها منها) وقع في رواية ابن عساكر أيعاض بغير واو وقوله: (لقوله تعالى وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أرأيت اليوم امرأة من أهل الشرك فذكره سواء، وعن معمر عن الزهري نحو قول مجاهد الآتي وزاد: وقد انقطع ذلك يوم الفتح فلا يعاوض زوجها منها بشيء. قوله (وقال مجاهد هذا كله في صلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش) وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى (واسألوا ما أنفقتم؛ ، ليسألوا ما أنفقوا) قال: من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن، ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فكذلك، هذا كله في صلح كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وقد تقدم في أواخر الشروط من وجه آخر عن الزهري قال: بلغنا أن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على أزواجهم، أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وهو أن المرأة إذا جاءت من المشركين إلى المسلمين مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من صداق ونحوه وكذا بعكسه، فامتثل المسلمون ذلك وأعطوهم، وأبى المشركون أن يمتثلوا ذلك فحبسوا من جاءت إليهم مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليها، فلهذا نزلت وأخرج هذا الأثر للطبري من طريق يونس عن الزهري وفيه " فلو ذهبت امرأة من أزواج المؤمنين إلى المشركين رد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العقب الذي بأيديهم الذي أمروا أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللاتي آمن وهاجرن، ثم ردوا إلى المشركين فضلا إن كان بقي لهم " ووقع في الأصل " فأمر أن يعطي من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن " ومعناه أن العقب المذكور في قوله (فعاقبتم) أي أصبتم من صدقات المشركات عوض ما فات من صدقات المسلمات، وهذا تفسير الزهري. وقاله مجاهد أي أصبتم غنيمة فأعطوا منها، وبه صرح جماعة من التابعين كما أخرجه الطبري، لكن جمله على ما إذا لم يحصل من الجهة الأولى شيء، وهو حمل حسن. وقوله في آخر الخبر المذكور " وما يعلم أن أحدا من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها " وهذا النفي لا يرده ظاهر ما دلت عليه الآية والقصة، لأن مضمون القصة أن بعض أزواج المسلمين ذهبت إلى زوجها الكافر فأبى أن يعطي زوجها المسلم ما أنفق عليها، فعلى تقدير أن تكون مسلمة فالنفي مخصوص بالمهاجرات فيحتمل كون من وقع منها ذلك من غير المهاجرات كالأعرابيات مثلا، أو الحصر على عمومه فتكون نزلت في المرأة المشركة إذا كانت تحت مسلم مثلا فهربت منه إلى الكفار، ويؤيده رواية يونس الماضية. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أشعث عن الحسن في قوله تعالى (تنبيه) : استطرد البخاري من أصل ترجمة الباب إلى شيء مما يتعلق بشرح آية الامتحان، فذكر أثر عطاء فيما يتعلق بالمعاوضة المشار إليها في الآية بقوله تعالى وقال الترمذي لا بأس بإسناده، وصححه الحاكم، ووقع في رواية بعضهم " بعد سنتين " وفي أخرى " بعد ثلاث " وهو اختلاف جمع بينه على أن المراد بالست ما بين هجرة زينب وإسلامه وهو بين في المغازي فإنه أسر ببدر فأرسلت زينب من مكة في فدائه فأطلق لها بغير فداء، وشرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يرسل له زينب فوفي له بذلك، وإليه الإشارة في الحديث الصحيح بقوله صلى الله عليه وسلم في حقه " حدثني فصدقني، ووعدني فوفي لي " والمراد بالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى الحديث الثاني أخرجه الترمذي وابن ماجه من رواية حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد " قال الترمذي: وفي إسناده مقال. ثم أخرج عن يزيد بن هارون أنه حدث بالحديثين عن ابن إسحاق وعن حجاج بن أرطاة ثم قال يزيد: حديث ابن عباس أقوى إسنادا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب، يريد عمل أهل العراق. وقال الترمذي في حديث ابن عباس: لا يعرف وجهه، وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة، ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسألة تحت المشرك إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها، وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر، وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالإجماع المذكور، وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما وهو منقول عن على وعن إبراهيم النخعي أخرجه ابن أبي شيبة عنهما بطرق قوية، وبه أفتى حماد شيخ أبي حنيفة، وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة في تلك المدة ممكن وإن لم تجر العادة غالبا به ولا سيما إذا كانت المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذوات الإقراء لعارض علة أحيانا. وبحاصل هذا أجاب البيهقي، وهو أولى ما يعتمد في ذلك. وحكى الترمذي في " العلل المفرد " عن البخاري أن حديث ابن عباس أصح من حديث عمرو بن شعيب، وعلته تدليس حجاج بن أرطاة، وله علة أشد من ذلك وهي ما ذكره أبو عبيد في كتاب النكاح عن يحيى القطان أن حجاجا لم يسمعه من عمرو بن شعيب وإنما حمله عن العزرمي والعزرمي ضعيف جدا، وكذا قال أحمد بعد تخريجه، قال: والعزرمي لا يساوي حديثه شيئا، قال: والصحيح أنهما أقرا على النكاح الأول. وجنح ابن عبد البر إلى ترجيح حديث ما دل عليه حديث عمرو بن شعيب وأن حديث ابن عباس لا يخالفه قال: والجمع بين الحديثين أولى من إلغاء أحدهما، فحمل قوله في حديث ابن عباس " بالنكاح الأول " أي بشروطه، وأن معنى قوله " لم يحدث شيئا " أي لم يزد على ذلك شيئا، قال: وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول، وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد ومهر جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل، ويؤيده مذهب ابن عباس المحكي عنه في أول الباب فأنه موافق لما دل عليه حديث عمرو بن شعيب، فإن كانت الرواية المخرجة عنه في السنن ثابتة فلعله كان يرى تخصيص ما وقع في قصة أبي العاص بذلك العهد كما جاء ذلك عن أتباعه كعطاء ومجاهد، ولهذا أفتى بخلاف ظاهر ما جاء عنه في ذلك الحديث، على أن الخطابي قال في إسناد حديث ابن عباس: هذه نسخة ضعفها على ابن المديني وغيره من علماء الحديث، يشير إلى أنه من رواية داود بن الحصين عن عكرمة قال: وفي حديث عمرو بن شعيب زيادة ليست في حديث ابن عباس، والمثبت مقدم على النافي، غير أن الأئمة رجحوا إسناد حديث ابن عباس ا ه. والمعتمد ترجيح إسناد حديث ابن عباس على حديث عمرو بن شعيب لما تقدم، ولإمكان حمل حديث ابن عباس على وجه ممكن. وادعى الطحاوي أن حديث ابن عباس منسوخ وأن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بعد رجوعه من بدر لما أسر فيها ثم افتدى وأطلق، وأسند ذلك عن الزهري وفيه نظر، فإن ثبت عنه فهو مؤول لأنها كانت مستقرة عنده بمكة، وهي التي أرسلت في افتدائه كما هو مشهور في المغازي، فيكون معنى قوله " ردها " أقرها، وكان ذلك قبل التحريم. والثابت أنه لما أطلق اشترط عليه أن يرسلها ففعل كما تقدم، وإنما ردها عليه حقيقة بعد إسلامه. ثم حكى الطحاوي عن بعض أصحابهم أنه جمع بين الحديثين بطريق أخرى، وهي أن عبد الله بن عمرو كان قد اطلع على تحريم نكاح الكفار بعد أن كان جائزا فلذلك قال " ردها عليه فنكاح جديد " ولم يطلع ابن عباس على ذلك فلذلك قال " ردها بالنكاح الأول " وتعقب بأنه لا يظن بالصحابة أن يجزموا بحكم بناء على أن البناء بشيء قد يكون الأمر بخلافه، وكيف يظن بابن عباس أن يشتبه عليه نزول آية الممتحنة والمنقول من طريق كثيرة عنه يقتضي إطلاعه على الحكم المذكور وهو تحريم استقرار المسلمة تحت الكافر، فلو قدر اشتباهه عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز استمرار الاشتباه عليه بعده حتى يحدث به بعد دهر طويل، وهو يوم حدث به يكاد أن يكون أعلم أهل عصره. وأحسن المسالك في هذين الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص، ولا مانع من ذلك من حيث العادة فضلا عن مطلق الجواز. وأغرب ابن حزم فقال ما ملخصه: إن قوله " ردها إليه بعد كذا " مراده جمع بينهما، وإلا فإسلام أبي العاص كان قبل الحديبية، وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك. هكذا زعم وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازي أن إسلامه كان في الهدنة بعد نزول آية التحريم. وقد سلك بعض المتأخرين فيه مسلكا آخر فقرأت في " السيرة النبوية للعماد بن كثير " بعد ذكر بعض ما تقدم قال: وقال آخرون بل الظاهر انقضاء عدتها، وضعف رواية من قال جدد عقدها، وإنما يستفاد منه أن المرأة إذا أسلمت وتأخر إسلام زوجها أن نكاحها لا ينفسخ بمجرد ذلك بل تتخير بين أن تتزوج غيره أو تتربص إلى أن يسلم فيستمر عهده عليها، وحاصله أنها زوجته ما لم تتزوج، ودليل ذلك ما وقع في حديث الباب في عموم قوله " فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه " والله أعلم، ثم ذكر البخاري حديث عائشة في شأن الامتحان وبيانه لشدة تعلقه بأصل المسألة. الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَتْ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ لَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلَامِ وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا الشرح: قوله (وقال إبراهيم بن المنذر حدثني ابن وهب) ذكر أبو مسعود أنه وصله عن إبراهيم بن المنذر، وقد وصله أيضا الذهلي في " الزهريات " عن إبراهيم بن المنذر وسيأتي اللفظ في البخاري كرواية يونس، فإن مسلما أخرجه عن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب كذلك، وأما لفظ رواية عقيل فتقدمت في أول الشروط، وأشار الإسماعيلي إلى أن رواية عقيل المذكورة في الباب لا تخالفها. قوله (كانت المؤمنات إذا هاجرن) أي من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح. قوله (يمتحنهن بقول الله تعالى) أي يختبرهن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى ظاهر الحال دون الاطلاع على ما في القلوب، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى قوله (مهاجرات) جمع مهاجرة والمهاجرة بفتح الجيم المغاضبة، قال الأزهري: أصل الهجرة خروج البدوي من البادية إلى القرية وإقامته بها، والمراد بها هاهنا خروج النسوة من مكة إلى المدينة مسلمات. قوله (إلى آخر الآية) يحتمل الآية بعينها وآخرها قوله (قالت عائشة) هو موصول بالإسناد المذكور. قوله (فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة) يشير إلى شرط الإيمان، وأوضح من هذا ما أخرجه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال " كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " وأما ما أخرجه الطبري أيضا والبزار من طريق أبي نصر عن ابن عباس " كان يمتحنهن: والله ما خرجت من بغض زوج، والله ما خرجت رغبة عن أرض، إلى أرض، والله ما خرجت التماس دنيا، والله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله " ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحو هذا ولفظه " فاسألوهن عما جاء بهن، فإن كان من غضب على أزواجهن أو سخطه أو غيره ولم يؤمن فأرجعوهن إلى أزواجهن " ومن طريق قتادة " كانت محنتهن أن يستحلفن بالله ما أخرجكن نشوز، وما أخرجكن إلا حب الإسلام وأهله فإذا قلن ذلك قبل منهن " فكل ذلك لا ينافي رواية العوفي لاشتمالها على زيادة لم يذكرها. قوله (انطلقن فقد بايعتكن) بينته بعد ذلك بقولها في آخر الحديث (فقد بايعتكن كلاما) أي كلاما يقوله. ووقع في رواية عقيل المذكورة " كلاما يكلمها به ولا يبايع بضرب اليد على اليد، كما كان يبايع الرجال " وقد أوضحت ذبك بقولها " ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، زاد في رواية عقيل في المبايعة غير أنه بايعهن بالكلام. وقد تقدم في تفسير الممتحنة وفي غير موضع حديث ابن عباس وفيه " حتى أتى النساء فقال: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعك - الآية كلها. ثم قال حين فرغ -: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة منهن نعم " وقد ورد ما قد يخالف ذلك، ولعلها أشارت إلى رده، وقد تقدم بيان ذلك مستوفى في تفسير سورة الممتحنة. واختلف في استمرار حكم امتحان من هاجر من المؤمنات: فقيل منسوخ، . بل ادعى بعضهم الإجماع على نسخه، والله أعلم *3* فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَإِنْ فَاءُوا رَجَعُوا الشرح: قوله (باب قول الله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) كذا للأكثر، وساق في رواية كريمة إلى (سميع عليم) . ووقع في " شرح ابن بطال ": باب الإيلاء قوله تعالى إلخ. ووقع لأبي ذر والنسفي بعد قوله (فإن فاءوا) : رجعوا وهذا تفسير أبي عبيدة قاله في هذه الآية قال: فإن فاءوا أي رجعوا عن اليمين، فاء يفي فيئا وفيوءا ا ه. وأخرج الطبري عن إبراهيم النخعي قال: الفيء الرجوع باللسان، ومثله عن أبي قلابة، وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة: الفيء الرجوع بالقلب واللسان لمن به مانع عن الجماع، وفي غيره بالجماع. ومن طريق أصحاب ابن مسعود منهم علقمة مثله، ومن طريق سعيد بن المسيب أيضا: إن حلف أن لا يكلم امرأته يوما أو شهرا فهو إيلاء، إلا أن كان يجامعها وهو لا يكلمها فليس بمول. ومن طريق الحكم عن مقسم عن ابن عباس: الفيء الجماع، وعن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي مثله، والأسانيد بكل ذلك عنهم قوية. قال الطبري: اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء، فمن خصه بترك الجماع قال: لا يفيء إلا بفعل الجماع، ومن قال: الإيلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع، بل رجوعه بفعل ما حلف أن لا يفعله. ونقل عن ابن شهاب: لا يكون الإيلاء إلا أن يحلف المرء بالله فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها، فإذا لم يقصد الإضرار لم يكن إيلاء. ومن طريق علي وابن عباس والحسن وطائفة لا إيلاء إلا في غضب، فإذا حلف أن لا يطأها بسبب كالخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا إيلاء. ومن طريق الشعبي: كلي يمين بين الرجل وبين امرأته فهي إيلاء، ومن طريق القاسم وسالم فيمن قال لامرأته إن كلمتك سنة فأنت طالق: إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت، وإن كلمها قبل سنة فهي طالق. ومن طريق يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له: ما فعلت امرأتك، لعهدي بها سيئة الخلق؟ قال: لقد خرجت وما أكلمها. قال: أدركها قبل أن يمضي أربعة أشهر فإن مضت فهي تطليقة. ومن طريق أبي بن كعب أنه قرأ وقال غيره بل فيه حذف تقديره: يقسمون على الامتناع من نسائهم، والإيلاء مشتق من الألية بالتشديد وهي اليمين، والجمع ألايا بالتخفيف وزن عطايا، قال الشاعر: قليل الألايا حافظ ليمينه فإن سبقت منه الألية برت فجمع بين المفرد والجمع. ثم ذكر البخاري حديث أنس " آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه " الحديث، وإدخاله في هذا الباب على طريقة من لا يشترط في الإيلاء ذكر الجماع، ولهذا قال ابن العربي: ليس في هذا الباب - يعني من المرفوع - سوى هذه الآية وهذا الحديث. ا ه، وأنكر شيخنا في " التدريب " إدخال هذا الحديث في هذا الباب فقال: الإيلاء المعقود له الباب حرام يأثم به من علم بحاله فلا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ا ه، وهو مبني على اشتراط ترك الجماع فيه، وقد كنت أطلقت في أوائل الصلاة والمظالم أن المراد بقول أنس " آلى " أي حلف، وليس المراد به الإيلاء العرفي في كتب الفقه اتفاقا، ثم ظهر لي أن فيه الخلاف قديما فليقيد ذلك بأنه على رأى معظم الفقهاء، فإنه لم ينقل عن أحد من فقهاء الأمصار أن الإيلاء ينعقد حكمه بغير ذكر ترك الجماع إلا عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، وإن كان ذلك قد ورد عن بعض من تقدمه كما تقدم. وفي كونه حراما أيضا خلاف، وقد جزم ابن بطال وجماعة بأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من جماع نسائه في ذلك الشهر، ولم أقف على نقل صريح في ذلك، فإنه لا يلزم من ترك دخوله عليهن أن لا تدخل إحداهن عليه في المكان الذي اعتزل فيه، إلا إن كان المذكور من المسجد فيتم استلزام عدم الدخول عليهن مع استمرار الإقامة في المسجد العزم على ترك الوطء لامتناع الوطء في المسجد، وقد تقدم في النكاح في آخر حديث عمر مثل حديث أنس في أنه آلى من نسائه شهرا، ومن حديث أم سلمة أيضا آلى من نسائه شهرا، ومن حديث ابن عباس أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا، ومن حديث جابر عند مسلم اعتزل نساءه شهرا. وأخرج الترمذي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت " آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا " ورجاله موثقون، لكن رجح الترمذي إرساله على وصله. وقد يتمسك بقوله " حرم " من ادعى أنه امتنع من جماعهن، لكن تقدم البيان الواضح أن المراد بالتحريم تحريم شرب العسل أو تحريم وطء مارية سريته فلا يتم الاستدلال لذلك بحديث عائشة، وأقوى ما يستدل به لفظ " اعتزل " مع ما فيه. الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ الشرح: قوله (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه) هو أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي ابن عم مالك، وسليمان هو ابن بلال، وقد نزل البخاري في هذا الإسناد بالنسبة لحميد درجتين، لأنه أخرج في كتابه عن بعض أصحابه بلا واسطة كمحمد بن عبد الله الأنصاري، ودرجة بالنسبة لسليمان بن بلال فإنه أخرج عنه الكثير بواسطة واحد فقط، وقد تقدم في هذا الحديث بعينه في الصيام وفي النكاح كذلك، والنكتة في اختيار هذا الإسناد النازل التصريح فيه عن حميد بسماعه له من أنس، وقد تقدم بيان قوله " آلى من نسائه شهرا " وشرحه في أواخر الكلام على شرح حديث عمر في المتظاهرتين في النكاح، ووقع في حديث أنس هذا في أوائل الصلاة زيادة قصة مشهورة سقوطه صلى الله عليه وسلم عن الفرس وصلاته بأصحابه جالسا، وتقدم شرح الزيادة هناك. ومن أحكام الإيلاء أيضا عند الجمهور أن يخالف على أربعة أشهر فصاعدا فإن حلف على أنقص منها لم يكن موليا. وقال إسحاق إن حلف أن لا يطأ على يوم فصاعدا ثم لم يطأ حتى مضت أربعة أشهر كان إيلاء، وجاء عن بعض التابعين مثله وأنكره الأكثر، وصنيع البخاري ثم الترمذي في إدخال حديث أنس في باب الإيلاء يقتضي موافقة إسحاق في ذلك، وحمل هؤلاء قوله تعالى وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء " إذا حلف أن لا يقرب امرأته - سمى أجلا أو لم يسمه - فإن مضت أربعة أشهر " يعني ألزم حكم الإيلاء. وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري " إذا قال لامرأته: والله لا أقربها الليلة، فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو إيلاء " وأخرج الطبري من حديث ابن عباس " كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين، فوقت الله لهم أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء". الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَ الْأَجَلِ إِلَّا أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلَاقِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ و قَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: قوله (إن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى: لا يحل لأحد بعد الأجل) الذي يحلف عليه بالامتناع من زوجته (إلا أن يمسك بالمعروف، أو يعزم كما أمر الله عز وجل) هو قول الجمهور في أن المدة إذا انقضت بخير الحالف: فإما أن يفيء، وإما أن يطلق. وذهب الكوفيون إلى أنه إن فاء بالجماع قبل انقضاء المدة استمرت عصمته، وإن مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضي المدة قياسا على العدة، لأنه لا تربص على المرأة بعد انقضائها. وتعقب بأن ظاهر القرآن التفصيل في الإيلاء بعد مضي المدة، بخلاف العدة فإنها شرعت في الأصل للبائنة والمتوفي عنها بعد انقطاع عصمتها لبراءة الرحم فلم يبق بعد مضي المدة تفصيل وأخرج الطبري بسند صحيح عن ابن مسعود، وبسند آخر لا بأس به عن علي " إن مضت أربعة أشهر ولم يفئ طلقت طلقة بائنة " وبسند حسن عن علي وزيد بن ثابت مثله، وعن جماعة من التابعين من الكوفيين ومن غيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤيب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله، ومن طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والأوزاعي تطلق لكن طلقة رجعية. وأخرج سعيد بن منصور من طريق جابر بن زيد " إذا آلى فمضت أربعة اشهر طلقت بائنا ولا عدة عليها " وأخرج إسماعيل القاضي في " أحكام القرآن " بسند صحيح عن ابن عباس مثله. وأخرج سعيد بن منصور من طريق مسروق " إذا مضت الأربعة بانت بطلقة وتعتد بثلاث حيض " وأخرج إسماعيل من وجه آخر عن مسروق عن ابن مسعود مثله. وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي قلابة " أن النعمان بن بشير آلى من امرأته، فقال ابن مسعود. إذا مضت أربعة أشهر فقد بانت منه بتطليقة". (تنبيه) : سقط أثر ابن عمر هذا وأثره المذكور بعد ذلك وكذا ما بعده إلى آخر الباب من رواية النسفي، وثبت للباقين. قوله (وقال لي إسماعيل) هو ابن أبي أويس المذكور قبل، وفي بعض الروايات " قال إسماعيل " مجردا وبه جزم بعض الحفاظ فعلم عليه علامة التعليق، والأول المعتمد، وهو ثابت في رواية أبي ذر وغيره. قوله (إذا مضت أربعة أشهر يوقف) ، في رواية الكشميهني يوقفه (حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق) كذا وقع من هذا الوجه مختصرا، وهو في " الموطأ " عن مالك أخصر منه، وأخرجه الإسماعيلي من طريق معن بن عيسى عن مالك بلفظ " أنه كان يقول: أيما رجل آلى من امرأته فإذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق أو يفيء، ولا يقع عليه طلاق إذا مضت حتى يوقف " وكذا أخرجه الشافعي عن مالك وزاد " فإما أن يطلق وإما أن يفيء " وهذا تفسير للآية من ابن عمر، وتفسير الصحابة في مثل هذا له حكم الرفع عند الشيخين البخاري ومسلم كما نقله الحاكم، فيكون فيه ترجيح لمن قال يوقف. قوله (ويذكر ذلك) أي الإيقاف (عن عثمان وعلى وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أما قول عثمان فوصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريق طاوس " إن عثمان بن عفان كان يوقف المولى، فإما أن يفيء وإما أن يطلق " وفي سماع طاوس من عثمان نظر، لكن قد أخرجه إسماعيل القاضي في " الأحكام " من وجه آخر منقطع عن عثمان " أنه كان لا يرى الإيلاء شيئا وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف " ومن طريق سعيد بن جبير عن عمر نحوه، وهذا منقطع أيضا، والطريقان عن عثمان يعضد أحدهما الآخر. وجاء عن عثمان خلافه: فأخرج عبد الرزاق والدار قطني من طريق عطاء الخراساني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان وزيد بن ثابت " إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة " وقد سئل أحمد عن ذلك فرجح رواية طاوس. وأما قول على فوصله الشافعي وأبو بكر بن أبي شيبة من طريق عمرو بن سلمة " أن عليا وقف المولى " وسنده صحيح. وأخرج مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على نحو قول ابن عمر " إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه الطلاق حتى يوقف، فإما أن يطلق وإما أن يفيء " وهذا منقطع يعتضد بالذي قبله. وأخرج سعيد بن منصور من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى " شهدت عليا أوقف رجلا عند الأربعة بالرحبة إما أن يفيء وإما أن يطلق " وسنده صحيح أيضا. وأخرج إسماعيل القاضي من وجه آخر عن علي نحوه وزاد في آخره " ويجبر على ذلك". وأما قول أبي الدرداء فوصله ابن أبي شيبة وإسماعيل القاضي من طريق سعيد بن المسيب " أن أبا الدرداء قال يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة، فأما أن يطلق وإما أن يفيء " وسنده صحيح إن ثبت سماع سعيد بن المسيب من أبي الدرداء. وأما قول عائشة فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة " أن أبا الدرداء وعائشة قالا " فذكر مثله، وهذا منقطع. وأخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن عائشة بلفظ " أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئا حتى يوقف " وللشافعي عنها نحوه وسنده صحيح أيضا. وأما الرواية بذلك عن اثنى عشر رجلا من الصحابة فأخرجها البخاري في التاريخ من طريق عبد ربه بن سعيد " عن ثابت بن عبيد مولى زيد ابن ثابت عن اثنى عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الإيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف " وأخرجه الشافعي من هذا الوجه فقال " بضعة عشر " وأخرج إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري " عن سليمان بن يسار قال: أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: الإيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف " وأخرج الدار قطني من طريق " سهل بن أبي صالح عن أبيه أنه قال سألت اثنى عشر رجلا من الصحابة عن الرجل يولى، فقالوا: ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف، فإن فاء وإلا طلق وأخرج إسماعيل من وجه آخر عن يحيى بن سعيد " عن سليمان بن يسار قال: أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا مضت الأربعة " وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسائر أصحاب الحديث، إلا أن للمالكية والشافعية بعد ذلك تفاريع يطول شرحها: منها أن الجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق يكون فيه رجعيا، لكن قال مالك لا تصح رجعته إلا إن جامع في العدة. وقال الشافعي: ظاهر كتاب الله تعالى على أن له أربعة أشهر، ومن كانت له أربعة أشهر أجلا فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي، فإذا انقضت فعليه أحد أمرين: إما أن يفيء وإما أن يطلق، فلهذا قلنا لا يلزمه الطلاق بمجرد مضي المدة حتى يحدث رجوعا أو طلاقا، ثم رجح قول الوقف بأن أكثر الصحابة قال به، والترجيح قد يقع بالأكثر مع موافقة ظاهر القرآن. ونقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال لم يجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقا، ولو جاز لكان العزم على الفيء يكون فيئا ولا قائل به، وكذلك ليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوي بها الطلاق تقتضي طلاقا. وقال غيره: العطف على الأربعة أشهر بالفاء يدل على أن التخيير بعد مضي المدة، والذي يتبادر من لفظ التربص أن المراد به المدة المضروبة ليقع التخيير بعدها. وقال غيره: جعل الله الفيء والطلاق معلقين بفعل المولى بعد المدة، وهو من قوله تعالى (فإن فاءوا، وإن عزموا) فلا يتجه قول من قال أن الطلاق يقع بمجرد مضي المدة. والله أعلم *3* وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ عِنْدَ الْقِتَالِ تَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً وَاشْتَرَى ابْنُ مَسْعُودٍ جَارِيَةً وَالْتَمَسَ صَاحِبَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْهُ وَفُقِدَ فَأَخَذَ يُعْطِي الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَنْ فُلَانٍ فَإِنْ أَتَى فُلَانٌ فَلِي وَعَلَيَّ وَقَالَ هَكَذَا فَافْعَلُوا بِاللُّقَطَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الْأَسِيرِ يُعْلَمُ مَكَانُهُ لَا تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ فَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَسُنَّتُهُ سُنَّةُ الْمَفْقُودِ الشرح: قوله (باب حكم المفقود في أهله وماله) كذا أطلق ولم يفصح بالحكم، ودخول حكم الأهل يتعلق بأبواب الطلاق بخلاف المال، لكن ذكره معه استطرادا. قوله (وقال ابن المسيب: إذا فقد في الصف عند القتال تربص امرأته سنة) وصله عبد الرزاق أتم منه عن الثوري عن داود بن أبي هند عنه قال " إذا فقد في الصف تربصت امرأته سنة، وإذا فقد في غير الصف فأربع سنين " وقوله في الأصل " تربص " بفتح أوله على حذف إحدى التاءين، واتفقت النسخ والشروح والمستخرجات على قوله " سنة " إلا ابن التين قوقع عنده " ستة أشهر " ولفظ ستة تصحيف ولفظ أشهر زيادة وإلى قول سعيد ابن المسيب في هذا ذهب مالك، لكن فرق بين ما إذا وقع القتال في دار الحرب أو في دار الإسلام. قوله (واشترى ابن مسعود جارية فالتمس صاحبها سنة فلم يجده وفقد، فأخذ يعطي الدرهم والدرهمين وقال: اللهم عن فلان فإن أتى فلان فلي وعلي) وقع في رواية الأكثر " أتى " بالمثناة بمعنى جاء، وللكشميهني بالموحدة من الامتناع، وسقط هذا التعليق من رواية أبي ذر عن السرخسي، وقد وصله سفيان بن عيينة في جامعه رواية سعيد بن عبد الرحمن عنه، وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عنه بسند له جيد " أن ابن مسعود اشترى جارية بسبعمائة درهم، فإما غاب صاحبها وإما تركها، فنشده حولا فلم يجده، فخرج بها إلى مساكين عند سدة بابه فجعل يقبض ويعطي ويقول: اللهم عن صاحبها، فإن أتى فمني وعلى الغرم، وأخرجه الطبراني من هذا الوجه أيضا وفيه " أبي " بالموحدة. قوله (وقال هكذا فافعلوا باللقطة) يشير إلى أنه انتزع فعله في ذلك من حكم اللقطة للأمر بتعريفها سنة والتصرف فيها بعد ذلك فإن جاء صاحبها غرمها له، فرأى ابن مسعود أن يجعل التصرف صدقة فإن أجازها صاحبها إذا جاء حصل له أجرها وإن لم يجزها كان الأجر للمتصدق وعليه الغرم لصاحبها، وإلى ذلك أشار بقوله " فلي وعلي " أي فلي الثواب وعلى الغرامة وغفل بعض الشراح فقال: معنى قوله فلي وعلي لي الثواب وعلي العقاب أي أنهما مكتسبان له بفعله. والذي قلته أولى لأنه ثبت مفسرا في رواية ابن عيينة كما ترى. وأما قوله في رواية الباب " فلي " فمعناه فلي ثواب الصدقة، وإنما حذفه للعلم به. قوله (وقال ابن عباس نحوه) ثبت هذا التعليق في رواية أبي ذر فقط عن المستملى والكشميهني خاصة، وقد وصله سعيد بن منصور من طريق عبد العزيز بن رفيع عن أبيه " أنه ابتاع ثوبا من رجل بمكة فضل منه في الزحام، قال فأتيت ابن عباس فقال: إذا كان العام المقبل فانشد الرجل في المكان الذي اشتريت منه، فإن قدرت عليه وإلا تصدق بها؛ فإن جاء فخيره بين الصدقة وإعطاء الدراهم " وأخرج دعلج في " مسند ابن عباس " له بسند صحيح عن ابن عباس قال " انظر هذه الضوال فشد يدك بها عاما، فإن جاء ربها فادفعها إليه، وإلا فجاهد بها وتصدق، فإن جاء فخيره بين الأجر والمال. قوله (وقال الزهري في الأسير يعلم مكانه: تتزوج امرأته ولا يقسم ماله، فإذا انقطع خبره فسنته سنة المفقود) وصله ابن أبي شيبة من طريق الأوزاعي قال " سألت الزهري عن الأسير في أرض العدو متى تزوج امرأته؟ فقال: لا تزوج ما علمت أنه حي " ومن وجه آخر عن الزهري قال: يوقف مال الأسير وامرأته حتى يسلما أو يموتا. وأما قوله فسنته سنة المفقود فإن مذهب الزهري في امرأة المفقودة أنها تربص أربع سنين، وقد أخرجه عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن عمر، منها لعبد الرزاق من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب " أن عمر وعثمان قضيا بذلك " وأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عمر وابن عباس قالا " تنتظر امرأة المفقود أربع سنين " وثبت أيضا عن عثمان وابن مسعود في رواية وعن جمع من التابعين كالنخعي وعطاء والزهري ومكحول والشعبي واتفق أكثرهم على أن التأجيل من يوم ترفع أمرها للحاكم، وعلى أنها تعتد عدة الوفاة بعد مضي الأربع سنين. واتفقوا أيضا على أنها إن تزوجت فجاء الزوج الأول خير بين زوجته وبين الصداق. وقال أكثرهم إذا اختار الأول الصداق غرمه له الثاني، ولم يفرق أكثرهم بين أحوال الفقد إلا ما تقدم عن سعيد بن المسيب، وفرق مالك بين من فقد في الحرب فتؤجل الأجل المذكور، وبين من فقد في غير الحرب فلا تؤجل بل تنتظر مضي العمر الذي يغلب على الظن أنه لا يعيش أكثر منه. وقال أحمد وإسحاق: من غاب عن أهله فلم يعلم خبره لا تأجيل فيه، وإنما يؤجل من فقد في الحرب أو في البحر أو في نحو ذلك. وجاء عن علي: إذا فقدت المرأة زوجها لم تزوج حتى يقدم أو يموت أخرجه أبو عبيد في كتاب النكاح. وقال عبد الرزاق: بلغني عن بن مسعود أنه وافق عليا في امرأة المفقود أنها تنتظره أبدا. وأخرج أبو عبيد أيضا بسند حسن عن علي: لو تزوجت فهي امرأة الأول دخل بها الثاني أو لم يدخل. وأخرج سعيد بن منصور عن الشعبي: إذا تزوجت فبلغها أن الأول حي فرق بينها وبين الثاني واعتدت منه، فإن مات الأول اعتدت منه أيضا وورثته. ومن طريق النخعي: لا تزوج حتى يستبين أمره، وهو قول فقهاء الكوفة والشافعي وبعض أصحاب الحديث، واختار ابن المنذر التأجيل لاتفاق خمسة من الصحابة عليه والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَقَالَ مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا الْحِذَاءُ وَالسِّقَاءُ تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا وَسُئِلَ عَنْ اللُّقَطَةِ فَقَالَ اعْرِفْ وِكَاءهَا وَعِفَاصَهَا وَعَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ قَالَ سُفْيَانُ فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سُفْيَانُ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ حَدِيثَ يَزِيدَ مَوْلَى المُنْبَعِثِ فِي أَمْرِ الضَّالَّةِ هُوَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَحْيَى وَيَقُولُ رَبِيعَةُ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ سُفْيَانُ فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ فَقُلْتُ لَهُ الشرح: قوله (حدثنا علي بن عبد الله) هو ابن المديني، وسفيان هو ابن عيينة. قوله (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري. وفي رواية الحميدي عن سفيان " حدثنا يحيى بن سعيد". قوله (عن يزيد مولى المنبعث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل) في رواية الحميدي " سمعت يزيد مولى المنبعث قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فذكر حديث اللقطة، وهذا صورته الإرسال، ولهذا قال بعد فراغ المتن: قال سفيان فلقيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال سفيان: ولم أحفظ عنه شيئا غير هذا، فقلت: أرأيت حديث يزيد مولى المنبعث في أمر الضالة هو عن زيد بن خالد؟ قال: نعم. قال سفيان: قال يحيى يعني ابن سعيد الذي حدثه مرسلا، ويقول ربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن يزيد بن خالد قال سفيان: فلقيت ربيعة فقلت له، أي قلت له الكلام الذي تقدم وهو قوله " أرأيت حديث يزيد إلخ " وحاصل ذلك أن يحيى بن سعيد حدث به عن يزيد مولى المنبعث مرسلا، ثم ذكر لسفيان أن ربيعة يحدث به عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد فيوصله فحمل ذلك سفيان على أن لقي ربيعة فسأله عن ذلك فاعترف له به، وقد أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن يزيد مرسلا وعن ربيعة موصولا وساقه بسياقة واحدة، وما وقع في رواية ابن المديني من التفصيل أتقن وأضبط، فإنه دل على أن السياق ليحيى بن سعيد وأن ربيعة لم يحدث سفيان إلا بإسناده فقط. وأخرجه النسائي عن إسحاق بن إسماعيل عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن ربيعة قال سفيان: فلقيت ربيعة فصال حدثني به يزيد عن زيد، وهذا أيضا فيه إيهام، ورواية ابن المديني أوضح وقد وافقه الحميدي ولفظه: قال سفيان فأتيت ربيعة فقلت له: الحديث الذي يحدثه يزيد مولى المنبعث في اللقطة هو عن زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال سفيان: كنت أكرهه للرأي، أي لأجل كثرة فتواه بالرأي، قال فلذلك لم أسأله إلا عن إسناده وهذا السبب في قلة رواية سفيان عن ربيعة أولى من السبب الذي أبداه ابن التين فقال: كان قصد سفيان لطلب الحديث أكثر من قصده لطلب الفقه، وكان الفقه عند ربيعة أكثر منه عند الزهري فلذلك أكثر عنه سفيان دون ربيعة، مع أن الزهري تقدمت وفاته على وفاة ربيعة بنحو عشر سنين بل أكثر ا ه. واقتضى قول سفيان بن عيينة هذا أن يحيى بن سعيد ما سمعه من شيخه يزيد مولى المنبعث موصولا وإنما وصله له ربيعة، ولكن تقدم الحديث لا اللقطة من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن يزيد عن زيد موصولا، فلعل يحيى بن سعيد لما حدث به ابن عيينة ما كان يتذكر وصله أو دلسه لسليمان بن بلال حين حدثه به موصولا وإنما سمع وصله من ربيعة فأسقط ربيعة. وقد أخرجه مسلم من رواية سليمان بن بلال موصولا أيضا، ومن رواية حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد وربيعة جميعا عن يزيد عن زيد موصولا، وهذا يقتضي أنه حمل إحدى الروايتين على الأخرى. وقد تقدم شرح حديث اللقطة مستوفى في بابها، وأراد المصنف بذكره هاهنا الإشارة إلى أن التصرف في مال الغير إذا غاب جائز ما لم يكن المال مما لا يخشى ضياعه كما دل عليه التفصيل بين الإبل والغنم. وقال ابن المنير: لما تعارضت الآثار في هذه المسألة وجب الرجوع إلى الحديث المرفوع فكان فيه أن ضالة الغنم يجوز التصرف فيها قبل تحقق وفاة صاحبها، فكان إلحاق المال المفقود بها متجها. وفيه أن ضالة الإبل لا يتعرض لها لاستقلالها بأمر نفسها فاقتضى أن الزوجة كذلك لا يتعرض لها حتى يتحقق، خبر وفاته، فالضابط أن كل شيء يخشى ضياعه يجوز التصرف فيه صونا له عن الضياع، وما لا فلا وأكثر أهل العلم على أن حكم ضالة الغنم حكم المال في وجوب تعويضه لصاحبه إذا حضر. والله أعلم
|